ما الفرق بين العقل والمخ؟
على ذكر العقل اقولها وبكل أسف أننا فقدنا العقل، فأصبحنا كالببغاء نردد كل ما نسمع.
خليني أقص عليك حكاية تلك الجملة ولكن قبل ذلك دعني أخبرك الفرق بين العقل والمخ على عجالة.
ما هو المخ؟
المخ: هو عضو مادي موجود في الرأس، هناك اعتقاد سائد أن المشاعر مصدرها القلب، وهذا يجانب الصواب، كل شيء مصدره المخ، من مشاعر، وغرائز، وتفكير…الخ
ما هو العقل؟
العقل: وصف ميتافيزيقي للمخ
أنت هو مخك
أنت لست جسدك
مثال بسيط:
بمعنى، لو أنت اسمك أحمد، ويدك انقطعت يا أحمد، ماذا سأطلق عليك؟ بالطبع أحمد، تغيُّر شيئًا ما في جسدك لم يُغيّر من كينونتك والتي هي أحمد.
بينما، لو أنت يا احمد توفيت، هذا يعني أن مخك توقف، ماذا سأطلق عليك؟ سأقول هذه "جثة" أحمد وليس أحمد، لأن الكينونة أحمد ماتت مع توقف المخ.
الآن نأتي لقصة الجملة التي ذكرتها في البداية.
بادئ ذي بدء، أنا أقسم العقل لقسمين:
1-الذاكرة: تخزن فيها معلومات
2-المعالجة: تعالج فيها المدخلات وتربطها مع المعلومات الموجودة في الذاكرة.
اختلاف العقل بين البشر
تجد البشر مختلفين على حسب التباين بين الذاكرة والمعالجة، فمثلًا، قد تجد شخص موسوعي ولديه معلومات كثيرة، مما يعني أن الذاكرة لديه قوية وفيها معلومات كثيرة، ولكنه كتفكير أو ارتجال صفر، هو مجرد ينقل المعلومات من ذاكرته، وكما يقولون الأخوة المصريين، حافظ مش فاهم، وتجد مثلًا شخص آخر معلوماته ضحلة ولكنه قوي في المعالجة ويستطيع أن يفكر في عمق الأمور، ولكنه لن يستفاد شيء، ماذا سيعالج إذا كانت الذاكرة فاضية؟ بماذا سيربط ما يتلقاه من مدخلات إذا كانت ذاكرته فاضية.
الأفضل برأيي، أن يكون الإنسان لديه نصيب متساوي من القسمين، فيكون لديه قدر جيد من المعلومات وفي نفس الوقت لديه نظرة شمولية وعمقية للأمور بحيث يربط الأمور ببعضها.
اين المشكلة في كل ذلك؟
المشكلة أن المعلومات التي في رأسنا أُدخلت بشكل ممنهج ومحدودة الكم، والمعالجة تم تعطيلها إلى حدٍ ما.
كيف حصل ذلك؟
المسبب ثلاث أشياء:
التعليم الأكاديمي، فهم خاطيء للدين، الأهل
فتجد مثلًا في التعليم الأكاديمي، يطلبوا منك أن تحفظ كتب هم اختاروها بشكل ممنهج لتدخلها إلى ذاكرتك، وطلبوا منك، يا فلان لو سُألت عن كذا، أجب هكذا، ولو سُألت عن كذا، أجب هكذا، فيتم تعطيل قسم المعالجة لدينا فأصبحنا حرفيًا كالآلات التي يتم برمجتها على خوارزميات معينة.
المعلم يدخل، يلقن المعلومات، ويخرج، دون أن يسأل اسألة تستفز العقول فتحثها على التفكير.
يدخل، يلقن، يخرج، ونحن فقط ننظر إليه ونهز برؤوسنا لكل مدخل دون إعمال لعقولنا، لأنه اصلًا مطلوب منك أن تكتب ما يريده هو حتى تنجح، ولو فكرت أن تكتب جواب آخر فلن يُقبل جوابك، أنت مطالب بأمور معينة، ارتجالك يعني رسوبك، فتتعود على اتباع الأوامر دون الخروح عن المألوف، وكلما اتبعت الأوامر أصبحت متفوقًا أكثر، هل حصل معك موقف أن يعطي المدرس وظيفة فيكون السؤال كالتالي:
بعد أن تحسب كذا وكذا، ماذا تلاحظ؟
حرفيًا، مررت بالأمر، ومتأكد أننا جميعنا مررنا به، حينها كل الطلاب لا تعرف ماذا تجاوب، ويبدؤون بالتساؤل فيما بينهم، لماذا؟ لأن قسم المعالجة حرفيًا دُمر، وعندما نذهب في اليوم التالي، يدخل المعلم، ويسأل: يا طلاب، من حل السؤال؟
لو افترضنا أن كم طالب حالفهم الحظ وحلوا السؤال، سيسمع المعلم أجوبتهم وهو يهز برأسه، وماذا تظنه سيكتب على اللوح؟ سيكتب الجواب الذي يريدك أن تكتبه في الامتحان، هذا الجواب لم تلاحظه أنت، سؤال استنتاجي جوابه واحد لكل الطلبة، لو جائك السؤال هكذا اكتب هذا الجواب وكفى.
نأتي للمسبب الثاني، الدين، الدين أيضًا واقولها بكل مرارة يدمر القسمين، لا تسمع لفلان، ولا تقرأ لفلان، فقط اقرأ لفلان وفلان، منهجة وتنضيد لذاكرتك، ولا تسأل كذا وكذا لأنها خارج حدود عقلك، وحصل هكذا لأن الله يريد كذا، وذلك لأن الله اراد حصوله، دون التفكير بالأسباب فيدمر قسم المعالجة تمامًا.
المسبب الثال، الأهل، للأسف الأهل أيضًا لهم دورًا كبير في الطفولة، الطفل يمر بعدة مراحل، في الأول يبدأ يستكشف المحيط، وتجده يضرب ويكسر ويخرب، هو هدفه ليس التكسير والتخريب، هو في مرحلة استكشاف، فتجد الأهل بكل جهل يوبخونه، ثم بعدها يمر بمرحلة "بابا شو هاد" يسأل عن كل شيء، ثم مرحلة "بابا ليش" وهذه المرحلة مهمة، فلو كانت أجوبة الأب مباشرة دون مناقشة معه، كأمر دون حثه وتشجيعه على ابداء رأيه، جواب مباشر، حصل كذا بسبب كذا، فعمليًا يتم منهجة ذاكرته، وايقاف المعالجة، ولو سأل لماذا كذا، ووبخوه الأهل، فعمليًا هم يقعمون روح الفيلسوف التي فيه.
الأهل يوجهونك لفعل ما يريدونه وهذا ليس من حقهم، وبالتالي تفعل ما يريده والدك دون ارتجال منك فتتعود على اتباع الاوامر كما تفعل الآلات، نحن نمكلك الكثير منها. حقًا!
فينتج لدينا عن هذه الأمور بشر تردد كل ما تسمعه كالببغاء تمامًا، لا رأي مستقل لها.
الحل الأصح برأيي
استكشاف الأمور بأكثر من منظور
المؤيد والمعارض وحتى المحايد، وفهم منطق كل منظور والتفكير في الأمور بعمق ومحاولة إعطاء رأي منفصل ناتج عن تفكير العقل حتى ولو كان خطأ المهم تشغيل ماكينة المعالجة.
دمتم بخير اصدقائي فى الكون والفضاء، ،،،سعيد محمود